المعارف الضائعة٠
سرابيوم سقارة هي مقبرة مصرية قديمة مكرسة للثور المقدس أبيس، وتقع شمال مجمع جنازة زوسر في مصر السفلى. تم تحنيط الثور، الذي يُعبد كإله، ودفن بعد أن كرس حياته للاحتفالات والقرابين في معبده في ممفيس.
يعود أصل هذه المقبرة إلى الأسرة المصرية الثامنة عشر في المملكةالمصرية الحديثة. سيكون أساسها من عمل الملك أمنحتب الثالث وأول امتداد لها بارع إلى عهد الملك رمسيس الثاني. وسيستمر بعد ذلك في الاتساع تحت العهود التالية وحتى نهاية العصر المصري القديم في فجر العصر المسيحي.
اكتشفت آثار سرابيوم سقارة بواسطة أوجوست مارييت في 1 نوفمبر 1851. ولقد استوحى الباحث الشاب من شهادة المؤلف القديم والجغرافي سترابو واستلهم من الطريق الواصل بين معبد الأقصر وفناء امون رع في معبد الكرنك واستمر في هذا المسار المحاط بأبي الهول، ثم اكتشف المدخل إلى سراديب الموتى المخصصة لإيواء الجثث المحنطة للثيران المقدسة أبيس.
أحدث الاكتشاف ضجة، خاصة في الوقت الذي نظمت ومولت فيهِ أعمال «البحث عن الكنز» الحقيقي من قبل الحكومات الإمبريالية المتنافسة باستمرار أوروبا وعندما لم يكن علم المصريات موجودًا ليس بعد سيكون هذا الاكتشاف أحد العناصر التأسيسية لـ أوجوست مارييت في رغبته في وقف هذا النهب المنظم للثروات الثقافية لمصر. ثم أسس مصلحة الآثار المصرية.
كان أصل هذه المقبرة اثنين من الفراعنة المشهورين من المملكة المصرية الحديثة . كلاهما عهد إلى أحد أبنائهما، ولي العهد وكاهن بتاح الاكبر، بمهمة تنظيم العبادة والإشراف على تشييد المباني المقدسة وحفر القبور التي كان من المقرر أن تضم رفات الإله المبجل في ممفيس على شكل الثور المقدس. والأمير تحتمس الذي افتتح المكان نيابة عن عهد والده الملك أمنحتب الثالث.
ثم بعد قرن تقريبًا، طور خعمواس على خطى سلفه، نيابة عن والده الملك رمسيس الثاني عبادة جنازة وأشرف الإله على موقع ضخم مخصص لحفر القبر الإلهي: أول سراديب الموتى.
قبل هذا التاريخ، دفنت الثيران أبيس في مقابر فردية يعلوها معبد صغير مخصصة لعبادة الجنازة باسم سيرابيس. لذلك كان لدى خعمواس أول مقبرة جماعية مجهزة خصيصًا لبقايا ثيران مقدسة.
وسعت سراديب الموتى هذه، ثم تضاعف من خلال معرض كبير جديد سيبقى في الخدمة حتى نهاية العصور القديمة واختفاء عبادة الحيوانات المقدسة عندما تعتنق الإمبراطورية الرومانية المسيحية باعتبارها الدين الوحيد.
لعل التوابيت السرابيوم الحجرية هي أقوى الأدلة على وجود نظم آلية للقياس والقطع في مصر القديمة ..
توابيت (أو صناديق) السرابيوم ليست استثناء .. بل إن معظم التوابيت تتمتع بنفس تلك الدقة .. غير أن توابيت السرابيوم هي الأضخم حجما ..
كنت أظن البعض مبالغا حين كانوا يتحدثون عن دقة السرابيوم العالية ..لكن بعد أن أجريت بنفسي القياس بالأدوات الرقمية أثبت لي أنها لم تكن مبالغة .
فالتوابيت السرابيوم تتميز بخاصية التوازي من الداخل..أي أن الأضلاع الداخلية متوازية تماما ..وظهر ذلك في قياس التوابيت السرابيوم بأداة قياس ضوئية..
كما أن الزوايا الداخلية قائمة تماما .. 90.0 درجة ..فهي ليست 90.1 ولا 89.9 .. وقد كان القياس الداخلي للزاوية أكثر قياس صادم أما استواء سطح التابوت السرابيوم فتام ... 180.0 درجة .. بلا أي مسافة انحراف..
لفهم صعوبة تلك النقطة انظر في أي أداة (منقلة) حاليا .. لن تجد فيها تدريجا يصل إلى 0.1 .. فهذا لن نستطيع رسمه فضلا عن قطعه ..
تكمن صعوبة تلك العملية وقسوتها في نقطتين .. أولا صلادة الصخور .. وثانيا في حجمه صناديق السرابيوم الضخمة ..لأن هناك عملية مهمة نمارسها حاليا في الآلات الحديثة لقطع المعادن والأحجار وهي "المحافظة" ..أي المحافظة على الاستقامة .. والمحافظة على الزوايا .. يجب التحكم في سن الأداة القاطع بحيث انها لا تنحرف يمينا أو يسارا ولا حتى ولو جزء طفيف ..
فبالنظر لقياسات التوابيت السرابيوم الحجرية .. يبدو لنا أن قدماء المصريين قد استعانوا بأدوات لم يعد لها وجود، ليست موجودة في أي سجلات أو برديات، ليست موجودة في المتاحف، بطريقة ما، لم يعد لتلك الأدوات وجود ..
فالسؤال الآن .. ما هو الحد الأدنى من الأدوات الذي يمكنني من قطع صندوق مثل هذا ؟
بقى أن نقول أن هناك 24 تابوتا في السرابيوم بنفس الصورة .. ومئات التوابيت الحجرية الأخرى من غير السرابيوم تعرض في المتاحف
إن أدوات القياس التي تعرض في المتاحف، مثل المساطر البازلتية، أو الزوايا الخشبية لا تكفي لإخراج منتج بهذا الشكل ..
ما زالت هناك حلقة ضائعة ..