المعركة بين الكنيسة الاروبية والآثار المصرية

 الآثار المصرية

المعركة بين الكنيسة الأوروبية والآثار المصرية اثار مصر الفرعونية اخبار الاثار المصريه

سنة 1793 كان عالما فرنسيا يُسمى ديبوي قد درس اللوحات الفلكية الموجودة في بعض المعابد الاثار المصرية، فألف كتابا وضع فيها استنتاجه أن المصريون القدماء أول من ابتكر فكرة الكوكبات السماوية، وبما أنه لا شعب يستطيع أن يخترع هذه البروج في مستهل حضارته، فالحضارة المصرية ترجع إلى أبعد من 15 ألف سنة..

كان دبيوي ذا سلطان بين العلماء فدوت كلمته هذه عندهم ورأي كل واحد منهم فيها تحديا لنصوص التوراة وللعقيدة التي قدستها الكنيسة الاوروبية، ولكن أهملوا كلامه..

بعد ذلك ببضعة سنوات عام 1798 دخل نابليون بونابرت مصر يرافقه عشرات العلماء الذين زاروا أسقف معبد دندره وأسنا ولاحظوا قواعد التقسيم في هذه تلك اللوحات الحجرية (الزودياك) فاستنتجوا من ذلك أن الغرض هو الدلالة على الوقت الذي بُنيت المعابد فيه.. فمعبد إسنا تبدأ البروج بالعذراء، وفي دندرة تبدأ بالأسد.. فاستنتجوا أن إسنا بُني وقت أن كانت الشمس في فلك العذراء أي 7000 سنة قبل الميلاد أو أقدم، ودندرة حين كان كانت الشمس في فلك الأسد أي 4000  سنة ق.م أو أقدم

ونشرت جريدة المونيتور التي كانت الحملة الفرنسية تصدرها في القاهرة هذا الخبر في عددها الصادر في أغسطس 1800، وقالت إن معابد اسنا ودندرة والتي تُعتبر من أحدث المعابد المصرية.. تعود إلى آلاف السنين أقدم من عمرها الأصلي، ووصلت الجريدة إلى دوائر أوروبا الدينية والعلمية فأحدثت فيها رجة.. لأن البلاد التي تعرف وترسم بروجا بهذا لدقة لاريب أنها كانت موجودة قبل ذلك بآلاف السنين.. فالمصريين الذين هُم أهل هذه البلاد متى وجدوا؟ وكم من الزمن قطعوا؟ وما الذي يبقى في نصوص التوراة إذا كانت الحضارة المصرية بهذا القدم؟!

وانقسمت دوائر أوروبا العلمية والدينية إلى فريقين.. فريق من القساوسة والآباء يتمسك بتواريخ التوراة يقوده الأب تيستا سكرتير البابا في روما.. وفريق من علماء الآثار والتاريخ الفرنسيين يقول إن الآثار المصرية تثبت أن الإنسان أقدم من الزمن الذي حددته التوراة

واستمرت المعركة الفكرية ما يقرب من 25 سنة أخرج كل فريق أدلته ونشراته وكتبه، في تلك الأثناء قام فرنسيا يُدعى “سبستيان لويس سولينير” وهو ابن عضو مجلس نواب في فرنسا، قام بدفع مبلغ من المال لأحد الفرنسيين لنزع الزودياك من سقف دندرة، وبالفعل فصلوها، ونقلوها لفرنسا، وما أن وصلت لفرنسا حتى طار الخبر لأوروبا كلها أن لوحة البروج سبب النزاع قد وصلت إلى باريس، واخترق شوارعها في موكب المنتصر، وكتب عنه الكاتب الفرنسي "كاميل لاجيي" يصف شغف باريس بالبرج قائلا:

(إن هذا البرج قد صار معبود المتحدثين في الصالونات، في أماكن الرياضة وفي كل مكان فما كنت تسمع غير سيدة تقول لصاحبتها أرأيت البرج يا عزيزتي، أو رجل يقول لصاحبه ما رأيك في البرج.. أوما يجري هذا المجري من الحديث )..

وتشكلت لجنة من الحكومة الفرنسية من ثلاثة علماء لفحص البرج أعلنت أنه غير زائف.. وتم بيعه لفرنسا بمبلغ ضخم هو 150 ألف فرنك.. واشتد الخلاف بين رجال الكنيسة والعلماء الفرنسيين حول عُمر الأثر.. فقام رجال الكنيسة بدراسة معبدي اسنا ودندرة من خلال كتاب وصف مصر ورسومات الحملة الفرنسية، ولاحظوا من خلال ترجمة شامبليون أن المعبدين يحفلان بالخراطيش والنقوش اليونانية الرومانية، ومن ثم فجزء من تلك المعابد بُنيت في عهود حديثة ككليوباترا، والامبراطور اغسطس ومن ضمنها لوحة البروج نفسها.. ودعم شامبليون رأي الكنيسة.. وبذلك وبعد وقت طويل من الصراع سقطت دعوى البروج وانتصرت الكنيسة..

وقد كتب سفير فرنسا في روما إلى وزير خارجية الحكومة الفرنسية قائلا :(إن البابا يشكر لشامبليون أعماله لأنها خدمت الديانة خدمة ذات أهمية، إن شامبليون أسقط كبرياء تلك الفلسفة التي كانت تزعم أنها عثرت في برج دندرة على تاريخ لخلق الإنسان أقدم من تاريخ الكتب المقدسة..)

غير أن شامبليون كان داهية، ويبدو أنه تعمد السكوت ليفوز بثقة الجميع، لكنه لما زار مصر ليرى ما فيها من آثار وطاف بمعابدها ومقابرها وقرأ ما عليها من كتابات.. واطلع على برديات تورين.. أرسل رسالة لأخيه قال فيها : "لقد قام عندي الدليل القاطع على أن المصريين كانوا في عصور بعيدة في القدم يعدون أكثر من مائتي ملك حكموا بلادهم قبل أن تحكمها الأسرة الثامنة عشر.. أقول لك.. فيما بيني وبينك.. إنني حصلت على نتائج مربكة إلى الحد الأقصى من وجوه عدة.. ولهذا يجب إبقاؤها طي الكتمان.. وقد جلت أمامي أشياء أخرى كثيرة كانت تتردد في نفسي فصارت الآن عندي من الحقائق التي لا يتطرق إليها الشك"

ثم عاد شامبليون إلى فرنسا وكان من المتنظر أن يكتب تاريخا لمصر، لكنه لم يكتبه، فقد عاجله الموت عام 1832 مات شامبليون دون أن نعلم ما هو السر الذي توصل إليه ..

-------------

منقول بتصرف من كتاب على هامش التاريخ المصري القديم، تأليف عبد القادر حمزة باشا - فصل معركة بين الكنيسة وعلم الآثار المصرية ويحتوي الكتاب على المصادر الأجنبية الأصلية للمقال
إرسال تعليق (0)
أحدث أقدم